سورة التوبة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{آمَنُوا} أي شاهدوا بأنوار بصائرهم حتى لم يبقَ في سماءِ يقينهم سحابُ رَيْبٍ، ولا في هواءِ معارفهم ضبابُ شك.
{وَهَاجَرُوا}: فلم يُعَرِّجُوا في أوطان التفرقة؛ فَتَمَحَّضَتْ حركاتُهم وسكناتهم بالله لله.
{وَجَاهَدُوا}: لا على ملاحظة غَرَض أو مطالعة عِوَضٍ؛ فلم يَدَّخِرُوا لأنفسِهم- مِنْ ميسورهم- شيئاً إلا آثروا الحقَّ عليه؛ فَظَفِروا بالنعمة؛ في قيامهم بالحقِّ بعد فنائهم عن الخَلْق.


البشارة من الله تعالى على قسمين: بشارة بواسطة المَلَكِ، عند التوفي: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ} [فصلت: 30].
وبشارة بلا واسطة بقول المَلَك، إذ يُبَشِّرهم ربُّهم برحمةٍ منه، وذلك عند الحساب. يبشرهم بلا واسطة بِحُسْنِ التولِّي؛ فعاجِلُ بشارتهم بنعمة الله، وآجِل بشارتهم برحمة الله، وشتان ما هما!
ويقال البشارة بالنعمة والجنة لأصحاب الإحسان، والبشارة بالرحمة لأرباب العصيان، فأصحاب الإحسان صَلُحَ أمرهم للشهرة فأَظْهَرَ أَمَرَهُم للمَلَكِ حتى بَشَّروهم جَهْراً، وأهلُ العصيان صلح حالهم لِلسَتْرِ فتولَّى بشارتهم- من غير واسطة سِرَّاً.
ويقال إِنْ كانت للمطيع بِشارةٌ بالاختصاص فإنَّ للعاصي بشارة بالخلاص. وإن كان للمطيع بشارة بالدرجات فإن للعاصي بشارة بالنجاة.
ويقال إنَّ القلوبَ مجبولةٌ على محبة من يُبَشِّر بالخير؛ فأراد الحقُّ- سبحانه- أن تكون محبةُ العبد له- سبحانه- على الخصوص؛ فتولَّى بشارته بعزيز خطابه من غير واسطة، فقال: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ} [التوبة: 21] وفي معناه أنشدوا:
لولا تَمتُّعُ مُقْلتي بلقائه *** لَوَهَبْتُها بُشْرَى بقرب إيابه
ويقال بَشَّرَ العاصِيَ بِالرحمة، والمطيعَ بالرضوان، ثم الكافةَ بالجنة؛ فَقَدَّمَ العاصِيَ في الذكر، وقدَّم المطيع بالبرِّ، فالذَّكر قوْلُه وهو قديم والبِرُّ طَوْلُه وهو عميم. وقولُه الذي لم يَزَلْ أعَزُّ مِنْ طوْله الذي حصَلَ. قدَّم العصاة على المطيعين لأنَّ ضَعْفَ الضعيف أَوْلى بالرِّفق من القوي.
ويقال قدَّم أمر العاصي بالرحمة حتى إذا كان يومُ العَرْضِ وحضورِ الجمعِ لا يفتضح العاصي.
ويقال: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ} يُعَرِّفُهم أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تلك الدرجات بسعيهم وطاعتهم، ولكن برحمته- سبحانه- وصلوا إلى نعمته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ يُنَجِّيه عمله. قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إِلا أن يتغمدني الله برحمته».
قوله: {لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ}: قومٌ نعيمُهم عطاءُ ربِّهم على وصف التمام، وقومٌ نعيمُهم لقاءُ ربهم على نعت الدوام؛ فالعابدون لهم تمام عطائه، والعارفون لهم داوم لقائه.
ثم قال: {خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا} والكناية في قوله: {فيها} كما ترجع إلى الجنة تصلح أن ترجع إلى الحالة، سيما وقد ذكر الأجر بعدها؛ فكما لا يَقْطَعُ عطاءَه عنهم في الجنة لا يمنع عنهم لقاءَه متى شاءوا في الجنة، قال تعالى: {لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33] أي لا مقطوعةٌ عنهم نعمتُه، ولا ممنوعةٌ منهم رؤيتُه.


مَنْ لم يَصْلُحْ بطاعته لربه لا تَسْتَخْلِصْه لصحبة نَفْسِك.
ويقال من آثر على الله شيئاً يُبَارِكْ له فيه؛ فيَبْقى بذلك عن الله، ثم لا يُبْقِي ذلك معه، فإنْ استبقاه بجهده- كيف يستبقي حياته إذا أَذِنَ الله في ذهاب أَجَلِه؟ وفي معناه أنشدوا:
مَنْ لم تَزُلْ نعمتُه قَبْلَهُ *** زَالَ مع النعمة بالموتِ

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10